علامات التوبة الصحيحة ...لإبن القيم رحمه الله تعالى
صفحة 1 من اصل 1
علامات التوبة الصحيحة ...لإبن القيم رحمه الله تعالى
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في مدارج السالكين
( ج1/ 155-157) :
فالتوبة المقبولة الصحيحة لها علامات.
منها: أن يكون بعد التوبة خيرا مما كان قبلها.
ومنها: أنه لايزال الخوف مصاحبا له لا يأمن مكر الله طرفة عين فخوفه مستمر إلى أن يسمع قول الرسل لقبض روحه :
{أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [ فصلت: 30] فهناك يزول الخوف.
ومنها: انخلاع قلبه ، وتقطعه ندما وخوفا ، وهذا على قدر عظم الجناية وصغرها . وهذا تأويل ابن عيينة لقوله تعالى :
{لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُم} [ التوبة: 110]
، قال: "تقطعها بالتوبة" . ولا ريب أن الخوف الشديد من العقوبة العظيمة يوجب انصداع القلب وانخلاعه ، وهذا هو تقطعه ، وهذا حقيقة التوبة . لأنه يتقطع قلبه حسرة على ما فرط منه ، وخوفا من سوء عاقبته ، فمن لم يتقطع قلبه في الدنيا على ما فرط حسرة وخوفا ، تقطع في الآخرة إذا حقت الحقائق، وعاين ثواب المطيعين ، وعقاب العاصين .
فلا بد من تقطع القلب إما في الدنيا وإما في الآخرة.
ومن موجبات التوبة الصحيحة أيضا : كسرة خاصة تحصل للقلب لا يشبهها شيء . ولا تكون لغير المذنب . لا تحصل بجوع ، ولا رياضة ، ولا حب مجرد . وإنما هي أمر وراء هذا كله . تكسر القلب بين يدي الرب كسرة تامة . قد أحاطت به من جميع جهاته، وألقته بين يدي ربه طريحا ذليلا خاشعا ، كحال عبد جان آبق من سيده ، فأخذ فأحضر بين يديه ، ولم يجد من ينجيه من سطوته ، ولم يجد منه بدا ولا عنه غناء ، ولا منه مهربا ، وعلم أن حياته وسعادته وفلاحه ونجاحه في رضاه عنه ، وقد علم إحاطة سيده بتفاصيل جناياته . هذا مع حبه لسيده ، وشدة حاجته إليه ، وعلمه بضعفه وعجزه وقوة سيده ، وذله وعز سيده.
فيجتمع من هذه الأحوال كسرة وذلة وخضوع ، ما أنفعها للعبد ، وما أجدى عائدتها عليه ! وما أعظم جبره بها . وما أقربه بها من سيده ! فليس شيء أحب إلى سيده من هذه الكسرة ، والخضوع والتذلل ، والإخبات ، والإنطراح بين يديه ، والإستسلام له ، فلله ما أحلى قوله في هذه الحال: "أسألك بعزك وذلي إلا رحمتني أسألك بقوتك وضعفي ، وبغناك عني وفقري إليك . هذه ناصيتي الكاذبة الخاطئة بين يديك ، عبيدك سواي كثير . وليس لي سيد سواك . لا ملجأ ولا منجي منك إلا إليك . أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل ، وأدعوك دعاء الخائف الضرير ، سؤال من خضعت لك رقبته ، ورغم لك أنفه ، وفاضت لك عيناه ، وذل لك قلبه".
يامن ألوذ به فيما أؤمله * ومن أعوذ به مما أحاذره
لا يجبر الناس عظما أنت كاسره * ولا يهيضون عظما أنت جابره
فهذا وأمثاله من آثار التوبة المقبولة . فمن لم يجد ذلك في قلبه فليتهم توبته وليرجع إلى تصحيحها ، فما أصعب التوبة الصحيحة بالحقيقة . وما أسهلها باللسان والدعوى ! وما عالج الصادق بشيء أشق عليه من التوبة الخالصة الصادقة . ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وأكثر الناس من المتنزهين عن الكبائر الحسية والقاذروات: في الكبائر مثلها أو أعظم منها أو دونها ، ولا يخطر بقلوبهم أنها ذنوب ليتوبوا منها ، فعندهم - من الإزراء على أهل الكبائر واحتقارهم ، وصولة طاعاتهم : ومنتهم على الخلق
بلسان الحال ، واقتضاء بواطنهم لتعظيم الخلق لهم على طاعاتهم ، اقتضاء لا يخفى على أحد غيرهم وتوابع ذلك - ما هو أبغض إلى الله ، وأبعد لهم عن بابه من كبائر أولئك . فإن تدارك الله أحدهم بقاذورة أو كبيرة يوقعه فيها ، ليكسر بها نفسه ، ويعرفه قدره ، ويذله بها ، ويخرج بها صولة الطاعة من قلبه ، فهي رحمة في حقه ، كما أنه إذا تدارك أصحاب الكبائر بتوبة نصوح ، وإقبال بقلوبهم إليه . فهو رحمة في حقهم ، وإلا فكلاهما على خطر. انتهى
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
V.I.P- المدير
- عدد المساهمات : 541
تاريخ التسجيل : 10/02/2012
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الخميس مايو 17, 2012 3:12 am من طرف V.I.P
» صور منوعة و غريبة حول العالم
الأربعاء أبريل 18, 2012 12:37 am من طرف V.I.P
» حريم من كوكب اخر
الخميس أبريل 12, 2012 1:19 am من طرف V.I.P
» أكل الأطفال بأصابعهم قد يحميهم من الوزن الزائد
الإثنين أبريل 09, 2012 8:35 pm من طرف V.I.P
» «العصيبة» تنجب إناثاً
الإثنين أبريل 09, 2012 8:34 pm من طرف V.I.P
» 8 خطوات تعيدك 10 سنوات إلى الوراء
الإثنين أبريل 09, 2012 8:31 pm من طرف V.I.P
» كيف تعتني بوجهك بالصيف ؟
الإثنين أبريل 09, 2012 8:29 pm من طرف V.I.P
» أشهر 10 إختراعات معاصرة أصلها إسلامي
الإثنين أبريل 09, 2012 2:29 am من طرف V.I.P
» Shayton Equilibrium
الأحد أبريل 01, 2012 1:02 am من طرف V.I.P